الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
تونس تعود لتصدير الفوسفات إلى الأسواق العالمية بعد عقد من الغياب
استأنفت تونس تصدير الفوسفات بعد انقطاع دام 11 سنة، وفق “شركة فوسفات قفصة” (حكومية)، على إثر التطور الذي شهده إنتاج الفوسفات واستعادته جزءاً كبيراً من نسقه في الشهرين الأخيرين، وتنبئ عودة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة جنوب شرقي تونس لنشاطه التقليدي في مد وحدات التحويل بالكميات اللازمة من الفوسفات، ومن ثم التصدير بانفراج في الأزمة الخانقة التي عرفها قطاع المناجم في تونس بعد اضطراب نشاطه لمدة عقد كامل وإنتاجه نسبة بسيطة من مقدراته بسبب التوتر الاجتماعي الذي شهدته المنطقة، كما يمهد لاستعادة تونس أحد أهم موارد العملة الصعبة واستعادتها مكانتها في توفير الجزء الأوفر من الاستهلاك العالمي للفوسفات المحول التي خسرتها خلال السنوات المنقضية، مما أثر بالسلب في الميزان التجاري والموارد الخارجية من العملات وعمق الصعوبات المالية.
العودة للتصدير
وكشفت شركة “فوسفات قفصة” أنها تسير نحو تصدير 300 ألف طن من الفوسفات نحو أسواق أوروبية وآسيوية خلال الأشهر المقبلة، وتستعد في هذا السياق لشحن نحو 50 ألف طن من الفوسفات التجاري (غير المحول) نحو حرفاء من فرنسا والبرازيل وتركيا، وهم من بين مصنعي الأسمدة الكيماوية من القطاعين العام والخاص بهذه البلدان، قبل نهاية شهر أبريل (نيسان)، كما تتجه الشركة في الفترة الباقية من سنة 2022 نحو التركيز على استعادة حرفائها وأسواقها التقليدية في السوق العالمية للفوسفات، بوضعها لاستراتيجية تروم تزويد حرفاء من آسيا وأوروبا بخاصة بالفوسفات التونسي الذي افتقدوه، وبعد أكثر من 10 سنوات من توقف تصديره إلى هذه الجهات، وأعلنت الشركة أن العمل يتركز خلال الفترة المقبلة على إنعاش الصادرات التونسية من مادة الفوسفات التجاري (غير المحول) من خلال خطة تغطي الفترة الباقية من العام، وتزود تونس الشهر الحالي أحد الحرفاء الفرنسيين الذي عادت لتزويده في بداية العام بكميات من الفوسفات، وهو من الحرفاء التقليديين الذين خسرتهم تونس خلال السنوات الأخيرة، ويعود ذلك لتهاوي الإنتاج التونسي من مادة الفوسفات إلى أقل من أربعة ملايين طن في السنة، في مقابل إنتاج يناهز ثمانية ملايين طن سنة 2010.
استرجاع الحرفاء
وستعمل تونس على استعادة حرفائها التقليديين في السوق العالمية للفوسفات، ويأتي هذا بعد أن تمكنت شركة “فوسفات قفصة” من إمداد حرفائها المحليين من مصنعي الأسمدة الكيماوية، وهم المجمع الكيماوي التونسي والشركة التونسية الهندية لصنع الأسمدة، بمخزون مهم من الفوسفات التجاري، بما يمكنهم من النشاط وبتصنيع الأسمدة الكيماوية لمدة أشهر وبشكل متواصل، وبناء على ذلك ارتفع مخزون المجمع الكيماوي في الوقت الراهن إلى 720 ألف طن، وهو المخزون الأعلى منذ سنة 2011، ويناهز مستوى مخزون سنة 2008.
طلبات متزايدة
وتتلقى تونس في الفترة الحالية طلبات متزايدة على الفوسفات وأهمها من فرنسا والبرازيل وتركيا وإندونيسيا وباكستان، ويشار إلى أن نوعية وخصائص الفوسفات التونسي تجعله “الأفضل عالمياً” على مستوى الاستعمال المباشر لأغراض فلاحية من دون الحاجة إلى تحويله إلى أسمدة وهي من مزاياه، وهي كلها عوامل سوف تساعد شركة “فوسفات قفصة” في تنفيذ استراتيجيتها بخصوص استعادة حرفائها التقليديين، وبالتالي إنعاش الصادرات التونسية من الفوسفات، وفق مسؤول بالشركة. مضيفاً، “هناك مفاوضات جارية حالياً مع حرفاء من إندونيسيا من أجل شراء كميات كبيرة من الفوسفات التونسي والمفاوضات بلغت مرحلة البحث في روزنامة إمداد هذا البلد بكميات، وكذلك في نوعية الفوسفات الذي يريده الحرفاء هناك، ومفاوضات أخرى انطلقت مع حرفاء من باكستان”.
ويتزامن تنامي الطلبات مع ما تشهده الأسواق العالمية من ارتفاع لافت لأسعار مادتي الفوسفات والأسمدة، ما من شأنه أن يدعم عائدات البلاد من العملات، ويحسن التوازنات المالية لشركة “فوسفات قفصة” التي عانت وعلى مر 11 سنة من تدهور جراء تراجع الإنتاج الوطني من هذه المادة ومبيعاته محلياً وعالمياً.
نسق الإنتاج
وكانت وحدات تحويل الفوسفات قد استعادت نشاطها، وفق ما صرحت به وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي لـ “اندبندنت عربية”، كاشفة عن أن مستوى الإنتاج زاد بنسبة 212 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وقد استعادت خطوط نقل الفوسفات من المناجم إلى نقاط التحويل نشاطها، وبلغ الإنتاج منذ بداية السنة الراهنة 1.2 مليون طن، في حين لم تتجاوز الكميات 300 ألف طن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة المنقضية، وبهذا المنحى التصاعدي لإنتاج المجمع الكيماوي، تسير تونس نحو تحقيق السقف الذي حددته لهذه السنة، وهو إنتاج خمسة ملايين طن.
وتظل إعادة هيكلة المجمع الكيماوي التونسي أحد أهم محاور الإصلاح الذي رسمته الحكومة، ويتم النظر في هذا الأمر، لكن الجهود تنصب على ضمان عودة الحوض المنجمي (مركز إنتاج الفوسفات بمقر المناجم بالجنوب الغربي) لنسق إنتاجه المعهود، مما يمثل الأولوية القصوى.
وأضافت الوزيرة التونسية أن عودة نشاط المجمع انعكس على مد السوق المحلية بالأسمدة بتطور إنتاجها بوحدات التحويل، فقد استعادت وحدات تصنيع الأسمدة المستمدة من مادة الفوسفات نشاطها، وهي مصانع الأسمدة بـ “المضيلة 1” و “المضيلة 2” بمحافظة قفصة بالجنوب الغربي، وأتى هذا بعد تعثر دام سنتين، إضافة إلى مصنعين بقابس وصفاقس بالساحل الشرقي، مما يعتبر انفراجاً في قطاع الفوسفات الذي عانى توقف الإنتاج في السنوات الماضية وانحباس التصدير، وكانت له انعكاسات سلبية على موارد البلاد من العملة الصعبة والقطاعين الصناعي والزراعي.
رهان المناخ الاجتماعي
وقال الباحث الاقتصادي حسين الرحيلي إن العودة لتصدير الفوسفات يجب أن تقترن بالحفاظ على النسق التصاعدي للإنتاج وديمومته واستعادة الأسواق التي خسرتها تونس في السابق وأهمها السوق الأوروبية وأيضاً الكندية، واعتبر أن استعادة السوقين مهم للغاية في الوقت الراهن بحكم أن فرنسا تستورد من تونس كميات كبيرة من الفوسفات التجاري (غير المحول)، ويتحتم على تونس حالياً رفع تحدي استعادة الأسواق التقليدية التي تتميز بالعقود طويلة المدى التي تمتد بين ثلاث وخمس سنوات وبكميات ثابتة، علماً أن صادرات تونس تتكون من 20 في المئة من الفوسفات التجاري و80 في المئة من الفوسفات المحول والحوامض، وهي ميزة الفوسفات التونسي مقارنة بصادرات المغرب التي توفر فقط حوالى 50 في المئة على أقصى تقدير من الفوسفات المحول، وقد تراجع إنتاج تونس من 8.5 ملايين طن سنة 2010 إلى معدل سنوي يناهز ثلاثة ملايين طن طوال العقد الماضي، إذ اعتبرت سنة 2020 السنة الأرفع إنتاجاً فيه بـ 3.8 مليون طن، ويساوي النقص بذلك 70 في المئة من طاقة الإنتاج، وخسرت تونس بذلك ترتيبها كخامس دولة منتجة للفوسفات في العالم وثاني بلد منتج لثاني الحامض الفوسفوري في العالم بـ 650 ألف طن سنوياً، وأول بلد منتج لثلاثي الفوسفات الرفيع في العالم بـ 1.2 مليون طن في السنة، وحصل ذلك بسبب تخلي الحكومات المتعاقبة في العقد المنقضي عن دورها في حل الأزمة الاجتماعية بمنطقة الحوض المنجمي مقر الإنتاج، مما كبد البلاد خسائر قدرت بـ 25 مليار دينار (7.95 مليار دولار) في هذه الفترة بحكم أن مداخيل شركة “فوسفات قفصة” تبلغ سنوياً 4.5 مليار دينار (1.43 مليار دولار) خلال السنوات السابقة لـ 2010 وتوفر مداخيل للدولة التونسية تقدر بملياري دينار (636 مليون دولار) سنوياً.
واعتبر الرحيلي أن الفرصة سانحة الآن لاستعادة ثقة الأسواق العالمية بحكم توقف إمدادات الفوسفات الروسي بسبب الحرب، مما يوفر جزءاً وفيراً من حاجات العالم، وتزامن ذلك مع استعادة نسق الإنتاج في تونس منذ شهرين واسترجاع حركة نقل الفوسفات على السكك الحديد في اتجاه وحدات التحويل بعد توقفه سنوات، علاوة على ارتفاع أسعار الفوسفات التجاري في الأسواق العالمية والتي تحولت من 88 دولاراً للطن في أبريل (نيسان) 2021 إلى 175 دولاراً للطن في أبريل 2022، وهي عوامل إقليمية تضاف إلى استعادة الحريفين الفرنسي والكندي، وتمهد لفرصة تعويض الخسائر التي تكبدتها تونس في الماضي، ومن شروط تحقيقها توفر عنصر الاستقرار الاجتماعي الذي عانت انعدامه منطقة الإنتاج، وهي الحوض المنجمي بقفصة في العقد الماضي بسبب فشل الدولة في تحقيق السلم الاجتماعي.