الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
“دافوس”: تعاظم الأزمات ينذر بحقبة جديدة لاختلال الاقتصاد العالمي
مشاركون في المنتدى تنبأوا بـ”حرب مصالح” مع تنامي المخاوف العالمية حول الأمن والطاقة والمناخ والبيئة.
قال متخصصون في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد بمنتجع “دافوس” السويسري، إن الحرب الروسية – الأوكرانية تؤذن ببدء تشكل حقبة جيو-سياسية جديدة من خلال المنافسة الشديدة والعدائية على المصالح الأمنية والاقتصادية والطاقة، فضلاً عن المصالح الأيديولوجية.
وللاستجابة لهذا الواقع الجديد تناول “مجلس المستقبل العالمي للجغرافيا السياسية” التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي الدور الذي يجب أن يلعبه القادة لمواجهة التحديات الإنسانية والأمنية الملحة، بينما يقومون في الوقت نفسه بتعزيز الأولويات الاقتصادية والبيئية والمجتمعية طويلة الأمد.
وناقش خمسة من أعضاء المجلس ما يرون أنه أولويات في تعزيز السلام والاستقرار العالميين، والخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق الاستقرار في قطاعات محددة تشكل خطوط المواجهة الأمامية للصراع، وكيفية دفع السلام والاستقرار العالميين في عصر جديد من الجغرافيا السياسية.
هزيمة روسيا أولوية
وقالت السفيرة بولا دوبريانسكي، الرئيس المشارك لـ “مجلس المستقبل العالمي حول الجغرافيا السياسية” خلال الجلسة التي ناقشت العصر الجديد من الجغرافيا السياسية، “إن استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها اللذين تهددهما الجارة روسيا يستحقان الدعم”، محذرة من أن “كثيراً على المحك، ففي حال نجح عدوان بوتين الصارخ فسيدمر البنية الأمنية الأوروبية لما بعد الحرب العالمية الثانية، وسيضفي الشرعية على استخدام القوة كأداة شرعية لفن الحكم، مما يجعل الحرب سمة دائمة للنظام الدولي، وفي الوقت نفسه فإن جرائم الحرب واستراتيجيات الإبادة الجماعية التي تتبعها موسكو، ما لم تتم محاسبة مرتكبيها، ستجرد الحرب من جميع القيود وتجعلها وحشية ومدمرة بشكل خاص، ولمنع حدوث هذه التطورات المأساوية فإن مساعدة أوكرانيا على هزيمة الروس بشكل حاسم هي الأولوية الرئيسة”.
وتابعت دوبريانسكي أن “سوء إدارة العدوان الروسي على أوكرانيا قد يتسبب في مشكلات إقليمية وعالمية خطرة، لكن من المرجح أن ينتج من معالجته بشكل جيد فوائد أمنية كبيرة، فهناك بالفعل أدلة وفيرة على أن منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) وديمقراطيات آسيوية عدة، إن لم يكن كلها، تتعاون إلى حد غير مسبوق في دعم أوكرانيا وفرض عقوبات على موسكو”.
وأضافت أن “انضمام فنلندا والسويد إلى الـ (ناتو) ما هو إلا مثال واحد على قوته المتزايدة”، مشيرة إلى أن التزام ألمانيا بزيادة الإنفاق الدفاعي بما يتماشى مع معيار الـ “ناتو” البالغ اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، سيزيد بشكل كبير من قدراته العسكرية ويساعد في تقليل التوترات طويلة الأمد عبر الأطلسي.
ودعت دوبريانسكي إلى ضرورة أن تستمر هذه الشبكة التعاونية مع إمكان تطورها إلى شراكة ديمقراطية أوسع للتعامل مع مجموعة من التهديدات الأمنية.
عالم من “عدم السلام”
من جانبه، قال مدير “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” مارك ليونارد، “على المدى الطويل نحن بحاجة إلى إعادة بناء النظام الأمني الأوروبي والاستعداد لعالم من عدم السلام”. وأضاف، “إننا لا نرى فقط مأساة الحرب في أوكرانيا، فكل جانب من جوانب العولمة يتحول إلى سلاح، إذ يستخدم بوتين فواتير الطاقة العالية واللاجئين والمعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية لإضعاف أوكرانيا والدول التي تدعمها”.
وتابع ليونارد، “لقد قطعت حكومات عدة روسيا عن النظام المالي العالمي، ونوعت إمدادات الطاقة لديها وحاولت فصل اقتصاداتها ومجتمعاتها عن روسيا، لكن عدداً من البلدان والمواطنين والشركات في جميع أنحاء العالم سيكونون ضحايا غير مقصودين لهذا الصراع”.
وقال رئيس مؤسسة أبحاث المراقبين (أو آر إف) سمير ساران إن “الحرب الروسية – الأوكرانية وصلت إلى طريق مسدود لا يمكن إيقافه من طريق القوة الثابتة، والعواطف السياسية المستثمرة فيها تستحق التقدير، لكنها محل نقاش في ظل المأساة الإنسانية التي تكشفت والاضطراب الذي لحق بالاقتصاد العالمي”.
ووصف ساران التعافي بعد الجائحة بغير المنتظم وغير المتكافئ، وتحدث عن أخطار التضخم العالمي في أسعار الغذاء والطاقة.
كما تحدث عن الضغوط التي تتعرض لها الحكومات والمجتمعات البعيدة من أوروبا، داعياً إلى أن يتقدم من “لديهم صوت ونفوذ” كي يكونوا مبدعين بالقدر نفسه في السعي إلى تحقيق السلام.
وأكد أن الحرب الروسية – الأوكرانية أدت إلى تفاقم أزمة سلاسل التوريد العالمية، كما تحدث عن الحاجة الملحة إلى فك ما سماه تجعد خطوط الإمداد، وختم بالقول إنه مع ارتفاع درجات الحرارة في جنوب آسيا وما وراءها، أصبح تغير المناخ أزمة يومية لكل إنسان، كما حث على الالتزام بتمويل المناخ والتكنولوجيا الخضراء وتدفقها إلى بلدان مثل الهند، والعمل بصوت عال قائلاً إن “العمل الصامت يجب أن يتغير الآن”.
تعزيز النظام القائم على القواعد
من جانبه، قال رئيس “مجلس شيكاغو للشؤون العالمية” إيفو دالدر إن “القرن الـ 20 انقسم إلى نصفين، الأول تميز بحربين عالميتين أسفرتا عن مقتل أكثر من 100 مليون شخص، والثاني بأطول فترة سلام بين القوى العظمى في التاريخ، وكان الاختلاف الأساس بين الحقبتين هو انتشار نظام قائم على القواعد ومفاهيم الأمن الجماعي والازدهار المشترك واحترام سيادة القانون، وقد تم انتهاك كل هذه القواعد من خلال الحرب الروسية غير القانونية على أوكرانيا”.
وأضاف دالدر، “يجب أن تكون أهم أولوياتنا ضمان فشل موسكو في مخططاتها الشريرة ضد دولة مجاورة، وجعل الحفاظ على النظام القائم على القواعد أهم مسؤولية جماعية لتلك الدول الملتزمة بهذا النظام والمستفيدة منه”، مشيراً إلى أن “هذه المسؤولية تقع على عاتق جميع الدول وليس فقط أولئك الذين ردوا بأسرع ما يمكن على العدوان الروسي”.
وتابع، “بينما تختلف الدول من دون شك حول أفضل طريقة للرد على روسيا، لا يمكن أن يكون هناك شك في أن من المصلحة الأساس لكل منهم الحفاظ على النظام القائم على القواعد، وتعزيزه خشية العودة لعالم أوائل القرن الـ 20، حيث كان الأقوياء يفعلون ما يشاؤون والضعفاء يفعلون ما يملى عليهم”.
السلام والأمن يتطلبان الحكمة
وقالت الزميل الأول في حوار “شانغريلا” لأمن آسيا والمحيط الهادئ، بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لين كوك، إنه “بينما يرى كثيرون في آسيا ما يحدث في أوروبا على أنه حدث منفصل ولا يجازف بإعادة تشكيل النظام العالمي، فإن هؤلاء يتجاهلون آثاره على القانون الدولي إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح”.
وأضافت، “البلدان التي تقف على الحياد في شأن هذه القضية تتجاهل وتبرر الأمر بأن أوروبا بعيدة، لكن الاعتداء على النظام القائم على القواعد في جزء من العالم يضر بها في كل مكان. وبالطريقة نفسها، بصرف النظر عن التداعيات الاقتصادية، فإنه يجب أن تشغل التطورات في أوروبا آسيا، وألا تهمل أوروبا منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لأنها تخوض أزمة أقرب في الوطن”.