الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
الجنيه الإسترليني إلى أين؟
موجة مضاربات على العملة البريطانية تراهن على انهيار قيمتها.
تشهد أسواق العملات مضاربات كثيفة على الجنيه الإسترليني مع زيادة التوقعات باستمرار هبوط قيمته أكثر في الفترة المقبلة. وسجلت بيانات “وول ستريت” في نيويورك حتى صباح الجمعة زيادة كبيرة في عمليات البيع على المكشوف للمستثمرين في العملة البريطانية. وتعني تلك التعاملات شراء العملة وبيعها مع خيار شرائها بعد فترة بسعر أقل، فيحقق المستثمر أرباحاً (البيع القصير). وذلك على عكس البيع الطويل، إذ يشتري المتعامل أصولاً استثمارية مع خيار بيعها بعد فترة مقدراً ارتفاع سعرها.
وزاد إقبال المتعاملين على المضاربة في الجنيه الإسترليني متوقعين هبوط سعر صرفه ليس أمام الدولار الأميركي فحسب، بل أمام عملات أخرى أيضاً مثل العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، والفرنك الفرنسي. وشهد سعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار هبوطاً في العام الماضي 2021 كله بنسبة 20 في المئة، بينما هبط سعر الإسترليني منذ بداية 2022 بنسبة 8 في المئة أمام الدولار. فبعدما كان الجنيه الإسترليني يساوي أكثر من 1.33 دولار أصبح سعره أقل من 1.25 دولار للجنيه. ويتوقع محللون في أسواق العملات وعدد من الاقتصاديين أن يواصل الجنيه الإسترليني الهبوط حتى يصل إلى معادل الدولار، أي يصبح الجنيه بدولار.
الوضع الاقتصادي
يأتي الهبوط في سعر صرف الجنيه الإسترليني نتيجة البيانات والأرقام السلبية المتتالية في الأيام الماضية بشأن الاقتصاد البريطاني الذي يشهد أزمة أسوأ كثيراً من الاقتصادات المماثلة. وهذا الأسبوع، حذر محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، أندرو بيلي، من ارتفاع كارثي في أسعار الغذاء في بريطانيا، معترفاً أنه ليس في استطاعة البنك المركزي وقف ارتفاع معدلات التضخم ربما إلى أكثر من 10 في المئة هذا العام. وقال محافظ بيلي أمام لجنة الخزانة في مجلس العموم (البرلمان) البريطاني، إن الحرب في أوكرانيا زادت من مخاطر نقص الغذاء في بريطانيا، مشيراً إلى أن التوقعات المستقبلية تبدو “كارثية” بالنسبة إلى أسعار الغذاء.
وبعد تصريحات بيلي، صدرت أرقام التضخم لأبريل (نيسان) الماضي، وأظهرت ارتفاعه إلى نسبة 9 في المئة بمعدل سنوي، وهو أعلى معدل للتضخم في بريطانيا في 40 عاماً. ذلك بعدما كانت نسبة التضخم في مارس (آذار) تجاوزت 7 في المئة. وفي ذلك الشهر لم يحقق الناتج المحلي الإجمالي أي نمو، وربما يكون انكمش (نمو سلبي) في أبريل الماضي، لكن الاقتصاد لم يدخل بعد في ركود بالمعنى التقني، (ربعان متتاليان من النمو السلبي).
وبحسب أرقام مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، شهدت ثقة المستهلكين انهياراً في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بشكل هائل، وبنسبة أكبر من بقية الاقتصادات في الدول المماثلة. ومع ارتفاع كلفة المعيشة وتآكل القيمة الحقيقية للأجور يحجم البريطانيون عن الإنفاق الاستهلاكي، الذي يشكل أكثر من نصف نمو الناتج المحلي الإجمالي.
بريكست والعجز التجاري
على الرغم من أن أغلب دول العالم تعاني من ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا وعودة الإغلاقات في الصين بسبب تفشي وباء كورونا مجدداً، إلا أن الضغط على العملة الوطنية البريطانية يعاني من أسباب تتعلق بالسياسة الاقتصادية للحكومة البريطانية، كما يرى كثير من المعلقين والمحللين البريطانيين.
لا يقتصر هذا الرأي على معارضي الحكومة، بل يأتي أيضاً من مؤيدين لحزب المحافظين الحاكم وسياساته التقليدية. فمن هؤلاء المتشائمين بمستقبل سعر صرف الجنيه الإسترليني المعلق الاقتصادي ماثيو لين الذي كتب مقالاً في صحيفة “ديلي تلغراف” يحمل فيه سياسات حكومة بوريس جونسون المسؤولية عن هبوط سعر صرف الجنيه. وتعد “دايلي تلغراف” صحيفة ذات توجه “يميني” يتسق مع نهج حزب المحافظين وحكومته. وكتب لين في مقاله “تعني سلسلة أخطاء السياسة الاقتصادية أن الاقتصاد البريطاني يتجه نحو أسوأ أزمة يتعرض لها منذ زمن طويل. ولا يمكن الآن استبعاد أن يهوي سعر الجنيه الإسترليني ليصبح مساوياً لسعر الدولار للمرة الأولى في تاريخه”.
صحيح أن انخفاض سعر صرف العملة الوطنية لأي بلد يجعل صادرات البلد أكثر تنافسية، لكن بريطانيا تشهد زيادة مطردة في عجز الميزان التجاري وصلت إلى نسبة كبيرة في الربع الأول من 2022. ذلك لأن هبوط سعر الجنية الإسترليني يجعل الواردات من الخارج أكثر كلفة، ومع زيادة الواردات عن الصادرات تتسع هوة عجز الميزان التجاري أكثر. ووصلت الزيادة الهائلة في عجز الميزان التجاري في الربع الأول من 2022 إلى أكثر من 342 مليار دولار (278 مليار جنيه إسترليني )، أي ما يساوي نسبة 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويرى كثيرون أن ذلك نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في الوقت الخطأ.
مضاربات متزايدة
ومن بين الأسباب التي تدفع المتعاملين إلى المضاربة على هبوط سعر صرف الجنيه الإسترليني أكثر، أن البنك المركزي رفع سعر الفائدة أربع مرات منذ نهاية العام الماضي. وعلى الرغم من أنه يتوقع أن يرفع سعر الفائدة مجدداً مع الزيادة الكبيرة في معدلات التضخم، إلا أنه لن يكون بمقدور البنك زيادة نسبة الفائدة بقدر كبير، وإلا توقف الاقتصاد. في المقابل، تظل هناك مساحة إضافية للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي لرفع سعر الفائدة بمعدلات أكبر. ثم إن البنك المركزي الأوروبي، الذي يضع السياسة النقدية لدول منطقة اليورو، لم يبدأ بعد رفع سعر الفائدة. بالتالي، يتوقع أن يكون اليورو أقوى مع بدء المركزي الأوروبي سياسة التشديد النقدي.
في مذكرة لعملائه هذا الأسبوع قال بنك “غولدمان ساكس” الاستثماري، إن الجنيه الإسترليني هو الأسوأ أداءً بين العملات الرئيسة في العالم حالياً. وكتب محللو سوق العملات في البنك أنه “على الرغم من أن بنك إنجلترا في وضع يشبه معظم البنوك المركزية الأخرى في المواءمة بين تباطؤ النمو ارتفاع معدلات التضخم، إلا أن بنك إنجلترا يبدو أنه يميل إلى تغليب أهمية النمو الاقتصادي على أن ينتظر اعتدال نسبة التضخم نتيجة زيادة العرض في الاقتصاد… ومع احتمال وجود مبرر نظري لهذا التوجه، إلا أن الواقع يجعل منه اتجاهاً يخفض قيمة العملة أكثر، لذا قمنا بخفض توقعاتنا لسعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار أكثر”.
وأوصى البنك الاستثماري عملاءه بالاهتمام باليورو أكثر، إذ إن البنك المركزي الأوروبي سيبدأ رفع سعر الفائدة من الصفر، في حين أن بنك إنجلترا سيواصل رفع الفائدة نقطة مئوية. وفي مقابلة مع شبكة “سي أن بي سي”، قال سام زيف، مدير استراتيجيات العملات في بنك “جيه بي مورغان”، إنه على الرغم من انخفاض قيمة الإسترليني، فإنه من الأفضل لمن يريد الاستفادة من ارتفاع سعر صرف الدولار حالياً وتحقيق أرباح بشراء عملات منخفضة القيمة سترتفع قيمتها في ما بعد، أن يركز على اليورو وليس على الإسترليني. وذلك هو اتجاه السوق حالياً، مع إقبال المستثمرين على العملات الأخرى والمضاربة على هبوط سعر صرف الجنيه الإسترليني.