الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
تونس تحت ضغوط خفض أسعار المحروقات وسط توجه نحو إلغاء الدعم
في الوقت الذي يراقب فيه التونسيون، وبخاصة أصحاب السيارات والشركات والمصانع، خطوات الحكومة لعلها تنفذ مقتضيات موازنة 2023 بإجراء تحريك أسعار المحروقات والمنتجات البترولية، تشهد أسعار النفط تراجعاً لافتاً ليتحول خوف التونسيين إلى طمأنينة، بل إلى مطالبة حكومة نجلاء بودن بتخفيض أسعار تعريفات المواد البترولية، نظراً إلى ارتخاء أسعارها في الأسواق العالمية. ويقدم عدد من الجمعيات المستقلة والمتخصصين طلبات إلى الحكومة لإجراء تحريك على أسعار المواد البترولية باتجاه التخفيض منها على أثر بلوغ الأسعار أقل مما هو مضمن في الموازنة.
فقد أعدت وزارة المالية التونسية فرضيات الموازنة العامة بـ89 دولاراً لسعر برميل نفط البرنت ونسبة نمو بـ1.8 في المئة، غير أن سعر نفط خام القياس العالمي برنت سجل، في 16 مارس (آذار) 2023، انخفاضاً في التعاملات الآجلة بنسبة 1.04 في المئة.
وتراجع سعر برميل برنت لعقود شهر أبريل (نيسان) المقبل إلى 72.92 دولار، فيما انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط أيضاً بنسبة 1.20 في المئة إلى 66.80 دولار للبرميل.
الحكومة لا تفكر في تخفيض الأسعار
وتفاعلاً مع تقلص أسعار النفط في الأسواق العالمية، قال غازي بن جميع المتخصص في الطاقة أن الحكومة لا تفكر بالمرة في مراجعة أسعار المحروقات باتجاه التخفيض منها على رغم انخفاض ملحوظ في أسعار النفط بالأسواق العالمية الذي وصل إلى معدل 73 دولاراً للبرميل. وأضاف أن الحكومة الحالية همها الوحيد إلغاء الدعم نهائياً عن المحروقات، موضحاً أنها شرعت فعلاً، في عام 2022، في تحريك أسعار عدد من المواد النفطية، موضحاً أن هذه العملية تترجم شروع الحكومة برفع الدعم، واستبعد تماماً فرضية إجراء تخفيض في أسعار المواد البترولية في تونس في الوقت الراهن على رغم طلب عدد من المواطنين وعدد من مكونات المجتمع المدني ذلك، لافتاً إلى أنه في حال شراء تونس منتجاتها البترولية ضمن العقود الآجلة بأسعار مرتفعة نسبياً، فإنه يصبح من شبه المستحيل أن تخفض الأسعار على المستوى الداخلي.
وخلص إلى أن الحالة الوحيدة التي يمكن خلالها تسجيل تراجع في أسعار المنتجات البترولية هي عند الوصول إلى حقيقة الأسعار والاعتماد على الأسعار العالمية على غرار ما هو حاصل في عدد من الدول. وأكد غازي بن جميع الذي يحمل درجة دكتوراه دولة في الجيولوجيا والناشط في المجتمع المدني أن ملف العجز الطاقي أضحى ملفاً حساساً في تونس وأنه مرتبط شديد الارتباط بالتحولات السريعة لسعر برميل النفط في الأسواق العالمية. وقال إن الإشكال لتونس يتمثل في تراجع الاستقلالية الطاقية إلى مستوى 49 في المئة، سنة 2022، مقابل 53 في المئة، سنة 2021، بسبب التوريد المكثف للمحروقات لتلبية الحاجات الوطنية.
وبين في هذا الصدد تراجع إنتاج النفط الخام في تونس بنسبة 13 في المئة، السنة الماضية، مقارنة بسنة 2021، إضافة إلى تقلص إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة خمسة في المئة في الفترة نفسها. وأكد أن تونس شرعت برفع الدعم فعلياً عن المحرقات، عام 2022، بدليل إقدامها على الزيادة في أسعار المنتجات البترولية في خمس مناسبات، العام الماضي، لثلاثة منتجات بترولية تهم البنزين الخالي من الرصاص والغازوال العادي والغازوال مندون كبريت.
وفند بن جميع الروايات الرسمية التي تقول إن الزيادة في الأسعار جاءت نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية موضحاً في هذا الصدد، أن الزيادة الجميلة لمشتقات المحروقات خلال سنة 2022 بلغت 20.5 في المئة للبنزين الخالي من الرصاص و23.7 في المئة للغازوال العادي و22.2 في المئة للغازوال من دون كبريت و32.1 في المئة لزيت الوقود الثقيل و14.4 في المئة للغاز المسال المنزلي و14.3 في المئة للغاز المسال سعة قارورة 13 كيلوغراماً.
وتحدث عن نسبة تغطية للمنتجات المذكورة، أي الفارق بين سعر الشراء والبيع، إذ تجاوزت 91 في المئة للبنزين الخالي من الرصاص و61.7 في المئة للغازوال العادي و74.9 في المئة للغازوال من دون كبريت و61.7 في المئة لزيت الوقود الثقيل و25.7 في المئة لقارورة الغاز سعة 13 كيلوغراماً، وأفاد من ناحية أخرى بأن الدعم الكبير متواصل في الزيت الثقيل وفي غاز النفط المسال وقوارير الغاز، إذ تبلغ نسبة التغطية في غاز النفط المسال 25 في المئة فقط، وفي حال رفع الدعم نهائياً، فإنه سيتم الترفيع، بنسبة 75 في المئة، في الأسعار بهاتين المادتين.
إلغاء الدعم عن ثلاثة أصناف من المحروقات
وتخطط الحكومة التونسية، في إطار إصلاح منظومة دعم المحروقات، لإلغاء الدعم عن ثلاثة أصناف من المحروقات مع نهاية 2023 لتبلغ أسعارها الحقيقية على أن يطبق التعديل الآلي للأسعار خلال الأشهر المقبلة، ويشكل تعديل أسعار المحروقات، وهي البنزين العادي والغازوال والبنزين الخالي من الرصاص، من أهم توصيات صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض تونس معه حول خطة إصلاحية متوسطة الأمد، ويتوقع بلوغ حقيقة الأسعار في أفق سنة 2023، وفق تقرير إطار الميزانية متوسط المدى نشرته وزارة المالية.
ويبلغ سعر برميل النفط الخام، حالياً، 73 دولاراً أي أقل من الفرضية التي بنيت عليها ميزانية الدولة (89 دولاراً).
ويؤكد متخصصون اقتصاديون أنه، مبدئياً، ليس هناك أي داعٍ لأن ترفع الحكومة في الأسعار، بل على العكس وفق القرار المشترك الذي يضبط مسألة التعديل، فغنه يكون في اتجاه التخفيض، وفي الأقل بنسبة سبعة في المئة، يذكر أنه طيلة سنة 2022، ارتفعت أسعار المحروقات خمس مرات بزيادة ثلاثة في المئة، في فبراير (شباط) وثلاثة في المئة في مارس، وخمسة في المئة في أبريل، و3.9 في المئة في منتصف سبتمبر (أيلول)، و5.5 في المئة في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، بالتالي طيلة العام، الأسعار سجلت في المعدل ارتفاعاً بنسبة 20.4 في المئة.
على الحكومة أن تتفاعل إيجابياً
ورأى لطفي الرياحي رئيس منظمة “إرشاد المستهلك” (مستقلة) أنه بات من الضروري إجراء مراجعة أسعار المواد البترولية في تونس على أثر ملاحظة انخفاض مستويات سعر البرميل في الأسواق العالمية. وقال إن الحكومة عند إعدادها موازنة العام الحالي أعدت فرضية سعر برميل النفط بـ89 دولاراً لبرميل نفط البرنت، ولكن حالياً هذا السعر تراجع، مطالباً كممثل عن المستهلكين في تونس أن تقوم الحكومة بحركة تجاه المواطنين بإجراء تحرك في الأسعار باتجاه التخفيض.
وتم منذ سنة 2016، وفق المتحدث نفسه، اعتماد آلية التعديل الأوتوماتيكي لأسعار المحروقات التي يتم بموجبها إقرار تحريك تعريفات المواد البترولية إما بالزيادة أو بالنقصان، بحسب الأسعار العالمية، واستغرب الرياحي عدم إقدام الحكومة على التخفيض، ولو نسبياً، في أسعار المحروقات، بخاصة البنزين الخالي من الرصاص والغازوال العادي والغازوال الرفيع المعتمد عليه من طرف غالبية السيارات والعربات في تونس.
وأوضح أن الحكومة عند إقرار كل زيادة في المحروقات تتعلل في بياناتها بأن كل زيادة بدولار في سعر البرميل ينعكس على موازنة دعم المحروقات بقيمة 129 مليون دينار (41.6 مليون دولار)، غير أن الوضع الراهن هو ملائم للمراجعة بالتخفيض، لا سيما أن الفارق بين فرضيات الموازنة (89 دولاراً) والأسعار الحالية (73 دولاراً)، هو 16 دولاراً، مما يعني أن الحكومة قد غنمت كثيراً من هذا التراجع في أسعار النفط العالمية، وفق تقديره.
أمر صعب
إلى ذلك، لمح رشيد بن دالي المدير العام للمحروقات في وزارة الصناعة والمناجم والطاقة إلى أن إقدام الحكومة على تخفيض أسعار المواد البترولية يظل أمراً صعباً نظراً إلى أن المسألة مرتبطة بتوازنات مالية لم يقع بلوغها، وبين في تصريح مقتضب أن اللجنة الفنية للتعديل الآلي للمحروقات بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم تجتمع وتقدم توصيات في حين أن اتخاذ الزيادة في الأسعار هو إرادة وقرار سياسي بدرجة أولى.
هامش تحرك مطمئن للحكومة
وطالب رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية الحكومة الحالية بالتخفيض في أسعار وتعريفات المواد البترولية على أثر تسجيل انفراج كبير ولافت في سعر برميل نفط برنت وهو نوعية النفط التي تقتنيها تونس من الأسواق العالمية الذي بلغ مستويات دون 80 دولاراً. وأكد أن فرضية إعداد الموازنة العامة بنيت على سعر برميل برنت بـ89 دولاراً، والحال أن السعر المعتمد حالياً هو 73 دولاراً، مما يستوجب، وفق رأيه، على حكومة نجلاء بودن إقرار مراجعة لأسعار المواد البترولية في اتجاه التخفيض، ولاحظ أن منحى تراخي الأسعار العالمية للنفط يعطي هامش تحرك مريحاً نسبياً للحكومة على مستوى التخفيف من ضغط منظومة الدعم، ولا سيما دعم المحروقات، علاوة على تفادي الضغط جراء تأخر إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
واعتبر الشكندالي أن على الحكومة القيام بحركة ذكية تجاه المواطنين وإعطاء رسالة إيجابية وكسب ثقة التونسيين بأنها ملتزمة تعهداتها من خلال تطبيق عادل لآلية التعديل الآلي للمحروقات التي تفترض أنه في حال تراجعت أسعار النفط تتم مراجعة الأسعار باتجاه التخفيض. ومن شأن التخفيض في أسعار المواد البترولية، بخاصة الأكثر طلباً، أن يخفف من حدة التضخم الآخذ في الارتفاع من شهر لآخر (10.04 في المئة في شهر فبراير 2023)، ولكن الشكندالي حذر من أنه في حال مضي الحكومة في ترفيع أسعار المحروقات لرفع الدعم وبلوغ حقيقة الأسعار، فإن هذه المسألة لا تستقيم باعتبار أن الأسعار العالمية في الوقت الراهن تعرف هدوءاً، ويجب على حكومة بودن ألا تجازف بإجراء تحريك في تعريفات المواد البترولية في ظرف يتسم بارتفاع مقلق في الأسعار عموماً.
واستحوذ قطاع المحروقات في تونس على 63.6 في المئة من إجمالي مبالغ الدعم التي وجهتها البلاد في إطار موازنة الدولة لسنة 2022، والبالغة نحو 12 مليار دينار (نحو 3.8 مليار دولار) وفق بيانات وقتية لتنفيذ الموازنة نشرتها وزارة المالية أخيراً، ووجهت تونس نحو 7.6 مليار دينار (2451 مليون دولار) لدعم المحروقات مع أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) 2022، مقابل 3.3 مليار دينار (1064.5 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من 2021.