الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
الحرب والتضخم يخلان بتوازن الاقتصاد العالمي
الاقتصاد العالمي يتداعى والأسواق المالية تومض باللون الأحمر، مما يعكس إحساساً في “وول ستريت” بأن تباطؤاً حاداً في النشاط الاقتصادي العالمي بات أمراً لا مفر منه. الجناة هم ارتفاع التضخم واستجابة البنوك المركزية القوية والمستثمرون القلقون وتأثير الحرب الروسية على أوكرانيا. وعلى رغم نجاة الاقتصاد الأميركي إلى حد كبير من أسوأ هذه الآفات، فإن ارتفاع الدولار يعاقب بقية العالم في وقت يتجاوز فيه ارتفاع الأسعار بعديد من الأماكن في العالم المداخيل.
وتنتشر اليوم علامات الإجهاد في العالم، إذ أظهرت بيانات الجمعة 23 سبتمبر (أيلول) الحالي، أن النشاط الاقتصادي في أوروبا انخفض بشكل حاد في سبتمبر، مما يزيد من مخاطر الركود فيما تصارع الحكومات الاضطرابات المرتبطة بالحرب. وفي المملكة المتحدة انخفض الجنيه إلى أدنى مستوى له منذ عام 1985 بعد أن اقترحت الحكومة تخفيضات ضريبية في محاولة لاستئناف النمو، مما زاد من مخاوف التضخم، كما واصل الين الياباني، الجمعة، انخفاضه مقابل الدولار، بعد يوم واحد فقط من تدخل البلاد لتعزيز قيمته لأول مرة منذ عام 1998.
وفي جميع أنحاء العالم تتلاشى أحجام التجارة ويقضي التضخم على ثقة الأسر والشركات. وتشهد سوق الإسكان في الصين تصدعاً فيما تقوض أزمة الطاقة في أوروبا إنتاج المصانع. ويسلط تنصل السوق من خطة تخفيض الضرائب في المملكة المتحدة الضوء على الخيارات الضيقة التي تواجهها الحكومات وهي تحاول إعادة التوازن في مواجهة النمو الضعيف والتضخم المرتفع.
البنوك المركزية وأولوية محاربة التضخم
البنوك المركزية بقيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) بعد عامين فقط على صرف حوافز ضخمة تعطي الأولوية لمكافحة التضخم وزيادة أسعار الفائدة بوتيرة لم نشهدها منذ عقود. والنتيجة هي ضعف واضح في النشاط الاقتصادي في مناطق عدة، تضخمه تقلبات السوق التي تعود في بعض الحالات إلى المستويات التي شوهدت آخر مرة في الأزمة المالية.
وانخفض مؤشر “داو جونز” الصناعي، الجمعة، إلى ما دون 30000 نقطة، مسجلاً أدنى مستوى جديد له في عام 2022، مما دفع مؤشرات الأسهم الرئيسة إلى رابع انخفاض أسبوعي بنسبة ثلاثة في المئة أو أكثر، في خمسة أسابيع. وتراجعت العقود الآجلة للخام الأميركي بنسبة ستة في المئة لتبلغ أول إغلاق لها دون 80 دولاراً للبرميل منذ 11 يناير (كانون الثاني) الماضي. وبلغت عائدات السندات الحكومية أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وقال كبير الاقتصاديين في “أس أي بي” جينس ماغنوسون، وهو بنك مقره السويد، لـ “وول ستريت جورنال”، “إنها تجربة نوعاً ما لمدى السرعة والصعوبة التي يمكنك بها [رفع أسعار الفائدة] دون تدمير الاقتصاد الحقيقي”.
إشارات غامضة
أما الإشارات التي تشير إلى اقتراب نهاية دورة اقتصادية غير عادية فكانت تظهر بصوت عال وواضح من قبل المصرفيين والاقتصاديين، حيث خفضت شركة “غولدمان ساكس غروب إنك” هذا الأسبوع هدفها لمؤشر “أس أند بي 500” لنهاية عام 2022 بنسبة 16 في المئة إلى 3600. وتم تداول المؤشر، الجمعة، عند 3663.
وقال ديفيد كوستين من بنك “غولدمان ساكس” إن الأسعار “تغيرت بشكل كبير”. نتيجة لذلك، فإن النظرة المستقبلية للأسواق “غامضة بشكل غير عادي”.
وقال “بنك أوف أميركا”، الجمعة، إنه يتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بنسبة واحد في المئة في الأرباع الأربعة المنتهية في الربع الأخير من عام 2023، وأن يرتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 5.6 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2023.
وتؤكد هذه التوقعات على لغز مركزي في هذه الدورة، وهو ما مدى سوء الأخبار الاقتصادية بعد أن ساعد التحفيز القياسي في تجنب كارثة اقتصادية خلال “كوفيد-19″؟
في الوقت الحالي تتراجع بعض اختناقات العرض ولا تزال البطالة منخفضة في الاقتصادات المتقدمة، كما انغمست الأسر في هذه البلدان في المدخرات التي تم جمعها خلال الوباء مع زيادة إنفاقها بمعدل سنوي قدره 2.4 في المئة في الأشهر الستة الأولى حتى يونيو (حزيران) الماضي، وفقاً للمحللين في “جي بي مورغان تشيس أند كو”، كما ارتفعت العمالة العالمية بأكثر من ضعف ما كانت عليه في فترة ما قبل الجائحة.
أميركا والتضخم
وتتغلب الولايات المتحدة حتى الآن على التضخم المرتفع، وتباطؤ الناتج الاقتصادي وتأثير الحرب الأوكرانية بشكل أفضل من بعض أجزاء أخرى من العالم. ولا يزال الإنفاق الاستهلاكي ونمو الوظائف قويين ويقوم بعض المصنعين بتحويل الإنتاج من الخارج، مما يعزز الاستثمار.
كما تم الإشراف على النشاطات التجارية التعاقدية في الولايات المتحدة في سبتمبر، وفق استطلاعات لمديري المشتريات، أجرتها شركة البيانات “أس أند بي غلوبال”. وكان مؤشر مديري المشتريات المركب في الولايات المتحدة، والذي يقيس النشاط في قطاعي التصنيع والخدمات، عند نقطة 49.3 في سبتمبر، وهو تحسن عن قراءة أغسطس (آب) الماضي التي سجلت 44.6 نقطة. وتشير القراءة الأقل من 50 نقطة إلى حدوث تقلص، وتشير القراءة فوق هذا المستوى إلى النمو.
وقال رئيس “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” جيروم باول، الأربعاء الماضي، إن “تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة من المرجح أن يتطلب بطالة أعلى إلى حد ما وفترة مستدامة من النمو المنخفض”. وقال باول “سنستمر في ذلك حتى نتأكد من إنجاز المهمة”.
وغالباً ما تشكل سوق الإسكان مؤشراً رئيساً للضعف الاقتصادي، حيث تتراجع مع ارتفاع معدلات الرهن العقاري. وخفض مسؤولو “الاحتياطي الفيدرالي” يوم الأربعاء متوسط توقعاتهم للنمو الاقتصادي من 1.7 في المئة إلى 0.2 في المئة هذا العام.
تقلص اقتصاد منطقة اليورو
وفي منطقة اليورو تراجعت مبيعات التجزئة في الأسابيع الأخيرة، حيث وصلت ثقة المستهلك إلى أدنى مستوى لها منذ أن بدأت السجلات في عام 1985. وانكمش الإنتاج الصناعي للمنطقة بنسبة 2.4 في المئة في يوليو (تموز) الماضي، مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث أدت كلفة الطاقة الجامحة إلى خنق المصنعين. ويعتقد “دويتشه بنك” أن اقتصاد المنطقة قد يتقلص بنسبة 2.2 في المئة العام المقبل، بقيادة انكماش بنسبة 3.5 في المئة في ألمانيا.
وقال كبير اقتصاديي الأعمال في شركة البيانات “أس أند بي غلوبال ماركت إنتليجينس” كريس ويليامسون إن “الاقتصاد الألماني، وهو الأكبر في الاتحاد الأوروبي، يتدهور بمعدل لم نشهده خارج الوباء منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008”. وقالت “ستاندرد أند بورز غلوبال” إن التراجع في النشاط الاقتصادي في البلاد الذي يعتمد بشكل كبير على التصنيع هو أحد أكثر المناطق تعرضاً لأزمة الغاز في أوروبا كان دراماتيكياً بشكل خاص.
وقال ويليامسون “إن الركود في منطقة اليورو أصبح وشيكاً، إذ أبلغت الشركات عن تدهور ظروف العمل وتكثيف ضغوط الأسعار المرتبطة بارتفاع كلفة الطاقة”.
وأظهرت استطلاعات الرأي، الجمعة، انخفاضاً متزايداً في النشاط التجاري الألماني في سبتمبر الحالي، بقيادة قطاع الخدمات الذي شهد ضعف الطلب بسرعة مع تراجع العملاء عن الإنفاق بسبب تشديد الميزانيات وزيادة عدم اليقين في شأن التوقعات.
ويرى أكثر من نصف تجار التجزئة الألمان أن وجودهم الاقتصادي مهدد بسبب كلفة الطاقة، وفقاً لمسح أجرته هذا الأسبوع جمعية التجزئة الألمانية، وهي مجموعة تجارية. وفي قطاع السيارات الكبير في ألمانيا، خفضت واحدة من كل 10 شركات، الإنتاج بسبب ارتفاع كلفة الطاقة، وثلثاً آخر يفكر في القيام بذلك، وفقاً لمسح أجراه الاتحاد الألماني لصناعة السيارات هذا الشهر، أي إن ما يقرب من الربع يريدون تحويل الاستثمارات إلى الخارج.
وقال رئيس اتحاد تجار التجزئة الألماني هيلديغارد مولر إن “الوضع، بخاصة بالنسبة إلى الشركات المتوسطة الحجم في صناعة السيارات، أصبح مأسوياً بشكل متزايد”.
كما حذرت “كيون غروب أي جي”، وهي شركة ألمانية لتصنيع الرافعات الشوكية، هذا الشهر من أن الطلبات الواردة ستكون أقل بكثير من مستوى العام الماضي في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر. وتوقعت خسارة تتراوح بين 100 مليون يورو (96.9 مليون دولار) و140 مليون يورو (135.6 مليون دولار).
خسائر التجزئة في بريطانيا
وفي المملكة المتحدة أعلن تاجر التجزئة جون لويس أند بارتنرز، هذا الشهر عن خسارة 99 مليون جنيه استرليني (107.4 مليون دولار)، في النصف الأول من عام التداول. وحذر من أن العملاء يتراجعون عن إنفاق الأموال.
وإضافة إلى لغز ما سيأتي بعد ذلك في أوروبا، فإن الجغرافيا السياسية خطرة في الوقت الحالي، مع تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع بتوجيه ضربات نووية وإطلاقه الأمر لجنود الاحتياط بالتعبئة بعد أن عانت قواته من انتكاسات لاذعة في أوكرانيا، يشير إلى أن الصراع الأكثر أهمية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية قد يستمر أو يتصاعد.
المكاسب التي شوهدت في وقت سابق من العام.
وقالت شركة “سامسونغ” للإلكترونيات أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم من حيث الإيرادات، هذا الشهر، إنها تتوقع حدوث تراجع حاد في مبيعات الرقائق حتى عام 2023، كما تضررت صناعة أشباه الموصلات بسبب تراجع مبيعات أجهزة الكمبيوتر الشخصية والهواتف الذكية وخوادم البيانات في جميع أنحاء العالم.
وقال كيونغ كي هيون الذي يترأس وحدة أشباه الموصلات في سامسونغ ويعمل مديراً تنفيذياً مشاركاً للشركة، في وقت سابق من هذا الشهر، إن “النصف الثاني من هذا العام يبدو سيئاً، وحتى الآن، لا يبدو أن العام المقبل يظهر حقاً زخماً واضحاً لتحقيق كثير من التحسينات”.
وسجلت تايوان أبطأ نمو للصادرات منذ أكثر من عامين في أغسطس، كما سجلت الصين نمواً متهالكاً في المبيعات الخارجية الشهر الماضي، مما أدى إلى تفاقم المخاوف في شأن اقتصاد يعاني بالفعل ركود العقارات وسياسة بكين بعدم التسامح مطلقاً مع فيروس “كوفيد-19”.
وقالت مديرة المبيعات بشركة “تومبو تويز كو” نينا لين وهي شركة صينية لتصنيع الألعاب تصدر بشكل أساسي إلى الولايات المتحدة وأوروبا الشرقية والجنوب “مقارنة بالعام السابق، تلقينا عدداً أقل من الطلبات في النصف الثاني من هذا العام من أميركا”.
وتباطأ نمو الصادرات الصينية في أغسطس إلى 7.1 في المئة سنوياً، مقارنة بنمو 18 في المئة في الشهر السابق. وأظهرت بيانات من هيئة الجمارك الصينية أن الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي نمت بمعدل سنوي 11.1 في المئة في أغسطس الماضي، أي ما يقرب من نصف المعدل في يوليو، بينما تقلصت الشحنات إلى الولايات المتحدة بنسبة 3.8 في المئة سنوياً.
ومثل نظرائها في الولايات المتحدة وأوروبا ترفع معظم البنوك المركزية في آسيا أسعار الفائدة. ورفعت البنوك المركزية في الفيليبين وتايوان وإندونيسيا كلفة الاقتراض، الخميس الماضي، بسبب الضغوط التضخمية.
والاستثناءات الكبرى هي الصين واليابان، ثاني وثالث أكبر اقتصادات العالم، اللتان تتعرضان لضغوط أقل من جراء التضخم ومحاربة النمو الضعيف، حيث أبقى بنك اليابان إعدادات سياسته ثابتة يوم الخميس، مشيراً إلى أنه لا يعتقد أن اليابان تخرج من فخ الانكماش الذي غرقت فيه منذ سنوات.
وأظهرت البيانات الأخيرة أن التباطؤ في الصين اعتدل في أغسطس، مستفيداً من الاستثمار في البنية التحتية الذي عوض إنفاق المستهلكين الضعيف ومزيداً من الانخفاض في أسعار المساكن، في حين لم يؤد تفشي “كوفيد-19” في مدن عدة، منهابكين وشنتشن، إلى عمليات إغلاق مستمرة، على رغم أن عدداً قليلاً من المدن الأصغر تخضع لقيود مشددة.
خفض توقعات نمو الصين
وخفض الاقتصاديون في “غولدمان ساكس” هذا الأسبوع توقعاتهم للنمو الصيني العام المقبل إلى 4.5 في المئة من 5.3 في المئة سابقاً، قائلين إنهم يتوقعون أن الصين لن تغير بشكل كبير استراتيجيتها الخاصة بـ “كوفيد-19” حتى الربع الثاني، مما يؤخر الانتعاش الاقتصادي المتوقع من إعادة الافتتاح الكامل. وهم يتوقعون نمواً بنسبة ثلاثة في المئة فقط هذا العام.
وقال كبير الاقتصاديين في شركة إعادة التأمين “سويس ري” والمسؤول السابق في البنك المركزي السويسري جيروم هيجيلي إن “الاقتصاد العالمي في غرفة الطوارئ”. وأضاف “أي شيء مثل الهبوط الهادئ هو تفكير بالتمني”.
ومع ذلك، يتفاءل المحللون بشكل متزايد بأن المنطقة سيكون لديها ما يكفي من الغاز لفصل الشتاء، بشرط ألا يكون الطقس شديد البرودة. وكانت حكومات المنطقة قد أنفقت أكثر من 500 مليار يورو (484.6 مليار دولار) لدعم الأسر والشركات خلال أزمة الطاقة، وفقاً لحسابات “بروغيل” وهي مؤسسة فكرية مكرسة لبحوث السياسة في شأن القضايا الاقتصادي مقرها بروكسل.