الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
“بريكست” يسير باقتصاد بريطانيا في “الاتجاه المعاكس”
في وقت تسعى فيه حكومة بوريس جونسون إلى تغيير بروتوكول إيرلندا الشمالية، الملحق باتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بالتالي إشعال حرب قانونية وتجارية جديدة مع أوروبا، كشفت دراسة حديثة عن انخفاض صادرات لندن إلى أوروبا في النصف الأول من العام الماضي بنسبة 15 في المئة، وذلك فقط بسبب اتفاق الخروج من التكتل، وما أدى إليه من توتر تجاري بسبب معايير الجودة وشروط الصناعة والسلامة الغذائية.
وبحسب دراسة أجرتها جامعة أستون ونشرت نتائجها، الأربعاء، فإن بريطانيا خسرت ما يزيد على 15 مليار دولار (12.4 مليار جنيه استرليني) من تراجع صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، وذلك بسبب الخلافات الناتجة عن خروج بريطانيا من أوروبا حول معايير السلامة الغذائية والمنتجات الكيماوية والمواصفات الفنية للآلات، وغيرها.
فريق البحث بالجامعة، الذي أعد الدراسة، راجع تأثير اتفاقية التجارة والتعاون (بريكست) على التجارة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، مع تحديد تأثير الخلافات حول المعايير على حجم الصادرات البريطانية لأوروبا نتيجة تلك الحواجز التجارية الأوروبية.
وعلى الرغم من أن حجم التجارة بين بريطانيا وأوروبا عاد في ذلك الوقت إلى مستوياته السابقة على أزمة وباء كورونا، فإن النمو في التجارة عموماً، وبين الاتحاد الأوروبي وبقية العالم، شهد نمواً كبيراً في حين تبقى تجارة الاتحاد مع بريطانيا في تراجع.
البروفيسورة جون دو، أستاذة الاقتصاد في جامعة أستون والمشاركة في الإشراف على الدراسة، قالت، “لا يعني ذلك أن بريطانيا تسير في الاتجاه الصحيح”. وأضافت أن الدول الأخرى التي يشبه اقتصادها اقتصاد بريطانيا شهدت نمواً قوياً في تجارتها مع الاتحاد الأوروبي في تلك الفترة.
اقتصاد مغلق
منذ أن تم التوصل إلى اتفاق “بريكست”، يتراجع حجم التجارة لأسباب عدة، لكن دراسة جامعة أستون تركز فقط على التراجع بسبب الحواجز التجارية الناجمة عن اختلاف المعايير والمواصفات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الذي يفرض قيوداً صارمة على معايير السلامة والأمان الصحي للمنتجات.
وتنقل صحيفة “الفاينانشيال تايمز” عن ويليام باين، مسؤول السياسات التجارية في غرفة التجارة البريطانية، قوله عن الدراسة الأخيرة، إن نتائجها تأتي “متسقة مع نتائجنا في شأن قيود المعايير والمواصفات التي كان لها تأثير سلبي كبير على صادرات بريطانيا لدول الاتحاد الأوروبي”.
أما جون سبرينغفورد، نائب مدير مركز الإصلاح الاقتصادي الأوروبي، فيشير إلى أن “هناك بعض الخلافات بين الاقتصاديين حول مدى تأثير قيود المعايير والمواصفات في خفض حجم التجارة البريطانية، لكن الكل يتفق على أن ذلك جعل الاقتصادي البريطاني أكثر انغلاقاً”.
وأشارت البروفيسورة دو إلى أن القيود المتعلقة بالاختلافات في المعايير والمواصفات نتيجة بريكست سيكون لها تأثير سلبي طويل الأمد على الصادرات البريطانية. وأضافت، “لو أن الأمر يتعلق بمسألة تكيف الصناعات والأعمال للشروط الجديدة، لكانت تلك الأعمال اعتادت على النظام الجديد بعد أشهر قليلة”.
ولافت ويليام باين إلى أن “التجار من مختلف أنحاء بريطانيا أبلغوا غرفة التجارة مراراً كيف أن هذه المتطلبات الجديدة جعلت نشاطهم أقل تنافسية” في أوروبا.
الميزان التجاري
مع ذلك هناك بعض الأعمال التي تمكنت من التكيف مع المتطلبات الجديدة لاتفاق “بريكست”. كما أن تجارة بريطانيا مع بعض الدول والمناطق الأخرى ارتفعت بنحو نصف نسبة التراجع في تجارتها مع دول الاتحاد الأوروبي، لكن بريطانيا تشهد زيادة مطردة في عجز الميزان التجاري بشكل عام مع بقية العالم. وبلغ العجز نسبة كبيرة في الربع الأول من هذا العام 2022. ووصلت الزيادة الهائلة في عجز الميزان التجاري في الربع الأول من هذا العام إلى أكثر من 342 مليار دولار (278 مليار جنيه استرليني)، أي ما يساوي نسبة 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويرى كثيرون أن ذلك بالأساس نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) ربما في التوقيت الخطأ مع أزمة وباء كورونا، ثم ما تلاها من الحرب في أوكرانيا.
وبحسب أرقام الدراسة من جامعة أستون، استناداً إلى البيانات التجارية للأمم المتحدة، قاربت الصادرات البريطانية لدول الاتحاد الأوروبي في الربع الأول من عام 2019 قبل أزمة وباء كورونا حاجز 23 مليار دولار، بينما لم تصل إلى 10 مليارات دولار في الربع الأول من العام الماضي.
وبينما كان حجم العجز في الميزان التجاري بين بريطانيا وأوروبا في يوليو (تموز) عام عند 11 مليار دولار (9 مليارات جنيه استرليني)، وصل الآن في شهر يناير (كانون الثاني) 2022 إلى أكثر من 15 مليار دولار (أكثر من 12 مليار جنيه استرليني).
مفاوضات وصراعات
يرى باين أن بريطانيا بحاجة إلى إجراء مزيد من المفاوضات مع المفوضية الأوروبية في شأن القيود المفروضة نتيجة شروط معايير السلامة والمواصفات الفنية، بخاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية، بما يسمح للتجار البريطانيين بالعودة للتصدير لأوروبا كما كان من قبل.
لكن ذلك يصطدم بالتطورات الحالية، حيث تسعى الحكومة البريطانية إلى “تمزيق” بروتوكول إيرلندا الشمالية ضمن اتفاق “بريكست”، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي لإعلان أنه سيقاضي بريطانيا إن فعلت ذلك. ومن شأن الخلاف حول الأمر أن يجعل المفوضية الأوروبية تلجأ إلى فرض مزيد من القيود التجارية على بريطانيا، ما يعني تدهور التجارة بين الجانبين أكثر.