الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
14 تريليون دولار إجمالي الديون الأوروبية .. غابة من المواد المشتعلة
تعد قضية الديون الأوروبية من أكثر القضايا الاقتصادية حساسية في العقدين الماضيين، إذ تفاقمت مشكلة الديون في منطقة اليورو بشكل كبير منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 وأزمة الديون السيادية التي ضربت أوروبا 2010.
رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومات الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية لمعالجة هذه الأزمة، إلا أن ديون أوروبا لا تزال تشكل تهديدا للاقتصاد العالمي ككل.
الدكتور إس. مايكل، أستاذ الاقتصاد الكلي، يصف قضية الديون الأوروبية بأنها “غابة من المواد المشتعلة يتجول فيها السكان حاملين المشاعل”، ورغم أن الظروف لم تنضج بعد لإشعال فتيل أزمة كهذه، إلا أنها قابلة للانفجار في أي وقت ولو عن طريق الخطأ.
وفي حديثه لـ”الاقتصادية” يقول: “بلغت مستويات الديون في كثير من دول منطقة اليورو مستويات قياسية، وتجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول حدود 100 %، إذ بلغت في اليونان في الربع الأول من هذا العام 160 %، وفي إيطاليا 138 %، وفي إسبانيا 109 %، وفي فرنسا 111 % تقريبا”.
ويضيف “هذه نسب مقلقة للغاية، خاصة في ظل التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده المنطقة نتيجة الضغوط التضخمية، وتأثيرات حرب أوكرانيا، والسياسات النقدية المتشددة للبنوك المركزية”.
بلغ إجمالي ديون منطقة اليورو في الربع الأول من العام الجاري قرابة 13 تريليون دولار، بينما بلغ إجمالي ديون الاتحاد الأوروبي ككل خلال نفس الفترة ما يزيد على 14 تريليون دولار، وهو ما يعادل 82 % من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، يصعب من وجهة نظر كثير من الخبراء التنبؤ بشكل قاطع بموعد انفجار أزمة الديون في أوروبا، إلا أن هناك عدة مؤشرات تدفع للاعتقاد بأن الوضع قد يزداد سوءا في المستقبل القريب.
تعد أسعار الفائدة المرتفعة عاملا رئيسا في زيادة تكاليف خدمة الدين الأوروبي، ما يضع ضغطاً على الحكومات المثقلة بالديون.
وأدت السياسات المالية التوسعية التي اتبعتها أوروبا خلال جائحة كورونا إلى زيادة كبيرة في العجز المالي، ما فاقم مستويات الديون.
ويعتقد بعض الخبراء أن هناك حاجة ماسة لأن تتبنى أوروبا نهجا جديدا للتعامل مع مشكلة الديون لديها، خاصة أن انفجارها سيكون له عواقب وخيمة ليس فقط على الاقتصادات المحلية بل وعلى الاقتصاد العالمي ككل.
وفي حديثها لـ “الاقتصادية”، تعلق لورين فيليب، الباحثة السابقة في المكتب الإحصائي التابع للاتحاد الأوروبي، بالقول: “في حال انفجرت أزمة الديون الأوروبية، فإن الأسواق المالية العالمية قد تتعرض للانهيار نظرا لمركزية الاقتصاد والبورصات الأوروبية في الاقتصاد العالمي. ففقدان الثقة في الاقتصاد الأوروبي وعدم قدرته على سداد ما عليه من ديون سينجم عنه موجة من الذعر الدولي تؤدي إلى بيع هائل للأصول المالية وتراجع كبير في قيمتها”.
وتضيف “سنواجه أزمة سيولة ستؤدي حتما إلى تعرض النظام المصرفي الأوروبي، الذي يمتلك كميات كبيرة من الديون السيادية الأوروبية، لضغوط هائلة، وربما نواجه أزمة مصرفية شاملة”.
لورين فيليب أكدت أن الأزمة ستمتد للاقتصادات العالمية الأخرى، خاصة الأسواق ذات الصلة الترابطية مع الأسواق الأوروبية كمصدر رئيس للتجارة والاستثمار، والاقتصادات الناشئة أكبر المعرضين لخطر الانهيار لاعتمادها بشكل كبير على التدفقات المالية من أوروبا.
مع ذلك، فإن أصواتا أخرى لا تقل أهمية، ومن بينها البروفيسور جونسون بامبورو، الاستشاري السابق في المفوضية الأوروبية، الذي يرى أن الاستمرار في المسار الحالي دون تبني سياسة مالية أوروبية مستدامة يؤدي إلى انفجار أزمة الديون، لكنه في الوقت ذاته يرى أن تلك المخاوف مبالغ فيها.
وقال لـ”الاقتصادية”، “تمتلك منطقة اليورو طرقا متعددة لحماية نفسها من الأزمات المالية. فإذا ما اتسعت فروق العائد على سندات دولة أوروبية بشكل حاد، فإن المصرف الأوروبي يتدخل بشراء الديون، وقد صمم أدوات حماية للتصدي لديناميكيات السوق غير المبررة والفوضوية”.
ويضيف: “المركزي الأوروبي بات أكثر نضجا واستعدادا للتدخل لمكافحة فوضى السوق، وإلقاء عباءته المالية لحماية أي دولة أوروبية تواجه أزمة ديون حقيقية، شريطة أن يكون سلوكها الاقتصادي متزنا ومتوازنا”.