الصحيفة الإخبارية – Corporate Communications
اقتصادية ثقافية-
التصنيفات
تعطّش العالم للنفط يزيد احتمال بلوغ الأسعار 100 دولار للبرميل
مع هيمنة إغلاقات وباء كوفيد على العالم في 2020، أدلى المدير التنفيذي لشركة “بي بي” (BP)، برنارد لوني، باعتراف مفاجئ، مفاده أنه يعتقد بأن الطلب على النفط قد لا يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة. إلا أنّه عاد وغيّر رأيه تماماً في الآونة الأخيرة.
بعد إعلانها عن خطط طموحة لخفض الانبعاثات، تضخّ شركة “بي بي”، التي تُعد من أكبر منتجي النفط الخام في العالم، مزيداً من الاستثمارات في الوقود الأحفوري.
يأتي ذلك في وقت يتجه فيه استهلاك الوقود نحو تسجيل مستوى قياسي هذا العام، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، التي تقدّم المشورة لاقتصادات رئيسية. فالعرض، الذي تأثر بشدة بالغزو الروسي لأوكرانيا، وبتباطؤ نمو قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة، والاستثمار الباهت في الإنتاج، لا يستطيع مجاراة الطلب.
تعطّش مستمر للنفط
الأمر برمّته يتوقف على الصين. إذ تُقبل ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم على النفط الخام، بعدما عكست مسار سياساتها الصارمة للتعامل مع فيروس كوفيد. وعلى خلفية إمدادات محدودة، يدفع ارتفاع الطلب كل المحللين، من “غولدمان ساكس” إلى مجموعة “فيتول” (Vitol Group) التجارية العملاقة، إلى توقع صعود الأسعار إلى 100 دولار للبرميل في وقت لاحق من العام الجاري.
أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو السعودية” –أكبر شركة نفط في العالم– قال في مقابلة يوم الأول من مارس في الرياض: “الطلب من الصين قوي للغاية”.
بحلول النصف الثاني من العام، يقول المحللون إن السوق ستواجه نقصاً في إمدادات النفط –وهو سيناريو سيخيّم على اجتماع قادة القطاع الذين يجتمعون هذا الأسبوع في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية، خلال فعاليات “سيراويك” (CERAWeek)، وهو مؤتمر رئيسي سنوي للطاقة تنظمه “ستاندرد آند بورز غلوبال” (S&P Global).
تُظهر الأزمة الوشيكة أنه، حتى مع تبنّي العالم لمصادر الطاقة النظيفة، فمن الصعب إرواء التعطش إلى النفط. وفيما كانت أزمة الإمدادات بمثابة هبة لمنتجي النفط الخام ومستثمريه، فإنها تضرّ بالمستهلكين، وتُعقِّد جهود البنوك المركزية لكبح التضخم.
الإفراط في تقدير حجم الإنتاج
على هامش مؤتمر أسبوع الطاقة الدولي في لندن الأسبوع الماضي، قال سعد رحيم، كبير المحللين الاقتصاديين في مجموعة التداول “ترافيغورا” (Trafigura Group): “باختصار، رأيي هو أن الناس ربما يستخفّون بالطلب، ويفرطون في تقدير حجم الإنتاج”.
في أعقاب عكسها المفاجئ لمسار سياسة “صفر كوفيد”، وهي السياسة التي فرضت إغلاقات على نطاق واسع إلى جانب فرض الحجر الصحي على المسافرين والفحوص والتتبع، ينتعش الاقتصاد الصيني، ما يزيد من الطلب على النفط. وقد سجّل قطاع التصنيع الصيني أكبر تحسن له في أكثر من عقد خلال الشهر الماضي، فيما تنتعش أنشطة الخدمات وتستقر سوق الإسكان.
تعني إعادة فتح الاقتصاد أن استهلاك النفط في الصين مهيأ للوصول إلى مستوى قياسي هذا العام. وفقاً لأوسط توقعات 11 مستشاراً يركزون على الصين شملهم مسح أجرته “بلومبرغ نيوز” في وقت سابق من العام، سيصل الطلب اليومي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، وهو 16 مليون برميل يومياً، بعد انكماشه في 2022.
الشهية على النفط الخام
ليست الصين وحدها التي تأتي بهذا الطلب. فالهند ودول أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تستهلك المزيد من النفط مع إعادة فتح الحدود، ما يساعد على دفع الطلب العالمي إلى مستوى قياسي بلغ حتى الآن منذ بداية العام، 101.9 مليون برميل يومياً، وربما سيُغرق ذلك السوق في عجز بحلول النصف الثاني، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. كذلك، فإن الحركة الجوية تتعافى، وهذا بدوره يعزز استخدام وقود الطائرات، في حين فُتحت أيضاً شهية الولايات المتحدة وأوروبا على النفط الخام.
قال كريستوفر بيك، عضو اللجنة التنفيذية في شركة “فيتول”، خلال مؤتمر أسبوع الطاقة الدولي، إن إحياء السفر الدولي مع عودة ظهور الصين على الساحة، سيكون أحد “المحركات التي ستدفع الطلب في المستقبل.. أعتقد أننا سنرى هذا التقدم خلال الأشهر القليلة المقبلة”.
تفاوت العرض والطلب
العرض غير قادر على مجاراة الارتفاع في الطلب. رغم أن صادرات روسيا من النفط بحراً تحلّت بالمرونة الشهر الماضي، يرصد متابعو الأسواق علامات حدوث اضطرابات، بعدما فرض الاتحاد الأوروبي وأغلبية مجموعة الدول السبع حظراً على واردات النفط والوقود المنقولة بحراً بعد غزو روسيا لأوكرانيا. الشحنات الروسية معرضة للخطر، إذ تواجه الهند –وهي من أكبر مشتري النفط الروسي– ضغطاً متزايداً من المصرفيين لإثبات أن شحناتها تمتثل لسقف الأسعار الذي تفرضه مجموعة الدول السبع، والبالغ 60 دولاراً للبرميل.
في تلك الأثناء، لم تغيّر منظمة “أوبك” مستويات الإنتاج المستهدفة التي حددتها في أكتوبر الماضي. وقال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن المستويات المستهدفة ستظل ثابتة لبقية العام.
لن تسارع الولايات المتحدة إلى الإنقاذ. يزداد الإنتاج من أحواض النفط الصخري بمعدل أبطأ، إذ تنفد المناطق الرئيسية التي يستطيع المنتجون الحفر فيها.
إقرأ أيضاً: قفزة قياسية في إنتاج النفط الصخري الأميركي
تراجع الإنتاج في الولايات المتحدة في بداية الجائحة، ولا يزال أقل بنحو 800 ألف برميل يومياً من المستوى القياسي البالغ 13.1 مليون برميل الذي سجلته البلاد في أوائل 2020. ويُرجَّح أن يبلغ مستوى النمو قرابة 560 ألف برميل يومياً هذا العام، وفقاً لشركة الأبحاث “إنفيروس” (Inverus).
رياح معاكسة محتملة
يأتي التباطؤ حتى مع ضخ “إكسون موبيل” و”شيفرون” ومنافساتهما، مزيداً من النفط من حوض برميان في غرب تكساس ونيو مكسيكو.
قال الرئيس التنفيذي لـ”شيفرون”، مايك ويرث، لتلفزيون “بلومبرغ” في الأول من مارس، إن الطاقة الإنتاجية الاحتياطية العالمية محدودة، وإن نمو إمداد النفط الصخري الأميركي لا يُرجَّح أن يعوّض النقص إذا تسارع الطلب لاحقاً هذا العام، ما يجعل “أوبك” هي المنتِج المرن في العالم. وأضاف ويرث: “مع دخولنا النصف الثاني من العام الجاري، تبدأ مخاطر الارتفاع بالتراكم”.
رغم ذلك، فإن الرياح المعاكسة المحتملة للطلب على النفط تتربص بالسوق، حيث لا تزال هناك مخاوف من حدوث ركود اقتصادي عالمي، في وقت تشدّد فيه البنوك المركزية سياساتها النقدية في مسعاها للتصدي للتضخم.
رغم أن ناتاشا كانيفا، المديرة العالمية لوحدة استراتيجيات وأبحاث السلع الأساسية لدى “جيه بي مورغان”، تراهن على ارتفاع استهلاك الصين للنفط الخام، إلا أنها تتوقّع أن تكون زيادة الأسعار “بطيئة للغاية”.
توقعات محللي “وول ستريت”
في أواخر فبراير، عدّل بعض محللي “وول ستريت” توقعاتهم بارتفاع الأسعار خلال العام الجاري. خفّض بنك “مورغان ستانلي” توقعاته للنصف الثاني، وحدّ من تكهناته بأن خام برنت سيتخطى 100 دولار للبرميل، فيما يقول “بنك أوف أميركا” إنه يتوقع تراجع مخاطر حدوث قفزة في الأسعار، بسبب قوة تدفقات النفط من روسيا.
جرى تداول خام برنت، الذي يُعتبر المؤشر العالمي للنفط، عند 85 دولاراً للبرميل يوم الجمعة الماضي.
رغم ذلك، يتوقع المحللون ارتفاع أسعار الخام في النصف الثاني من العام، إذ يُرجّح الكثيرون عودة سعر خام برنت إلى مستويات في خانة المئات للمرة الأولى منذ أغسطس الماضي.
قال جيف كاري، رئيس وحدة أبحاث السلع الأساسية في “غولدمان ساكس”، خلال مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” في الأول من مارس، إن إعادة فتح الصين ستضغط على الطاقة الإنتاجية الاحتياطية العالمية، ما سيدفع الأسعار نحو 100 دولار للبرميل في الربع الرابع، مع تراجع المخزونات واستقرار المعروض النقدي.
واختتم كاري: “مع عودة الصين، سنخسر هذه الطاقة الاحتياطية. ثقتي كبيرة جداً في أننا سنشهد ارتفاعاً آخر في الأسعار خلال الأشهر الـ12 إلى الـ18 المقبلة”.